لماذا يخشى رواد الأعمال العرب اقتحام قطاع التصنيع؟
قد يشعر رواد الأعمال العرب بالتوجس من اقتحام قطاع التصنيع بسبب أنه استثمار طويل الأجل ولا يشعر المرء بنتائجه بصورة فورية، ولكنه في واقع الأمر توجه ذو مردود إيجابي لكثير من رواد الأعمال المتطلعين إلى النجاح في المنطقة.
قامت شركة أمازون منذ عامين بشراء شركة سوق دوت كوم مقابل 580 مليون دولار لتسطر بذلك عهدا جديدا للشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وبعد مرور عامين، وتحديدا في مارس 2019، وقع حدث فارق في المنظومة الاقتصادية للمنطقة بعد قيام شركة أوبر بالاستحواذ على شركة كريم مقابل 3.1 مليارات دولار، لتصبح المنطقة رسميا من بين المناطق التي تتضخم فيها قيمة شركات ناشئة لما يزيد على المليار دولار.
وعلى مدى أكثر من عِقد من العمل في مجال ريادة الأعمال استطاعت عدة شركات تم تأسيسها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غزو عديد من الأسواق، وأحدثت طفرة كبيرة في مجالات التجارة الإلكترونية والنقل والطعام، وغيرها من المجالات الأخرى. ولكن، لا يزال قطاع الإنتاج والتصنيع هو المجال الذي لم يتجرأ أحد على اقتحامه بصورة كبيرة.
وهنا يقول أيمن شكري الحبيشي، اختصاصي فحص براءات الاختراع لدى مركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع بالكويت، والذي أسهم في مجال براءات الاختراع وحقوق التصنيع في المنطقة منذ عام 2001: «يكمن التحدي الرئيسي في توافر بنية تحتية صناعية تُشجع على البدء في صناعات جديدة». ويضيف الحبيشي موضحًا: «من المعروف أن معظم أنشطة التصنيع التي قامت في المنطقة ترتبط بصناعات كانت موجودة منذ 20 عاما وأكثر؛ مثل: الأغذية، وأنواع محددة من الكيماويات، والبترول ومشتقاته. ولكن، لم نشهد سوى استثمارات محدودة في مجال التقنيات الصاعدة والإبداعية».
ويقترح الحبيشي أنه يجب على رواد الأعمال الناشئين في المنطقة الراغبين في اكتشاف مجالات الصناعة البدء بالصناعات الأقل تعقيدا وإدارة المشروعات الصناعية بحكمة، ومن ثَم الصعود التدريجي في هذا المجال. ولكنه يُحذر مرارا وتكرارا قائلاً: «إن المجال الصناعي استثمار طويل الأجل وربما يتطلب الأمر فترة تتراوح ما بين ثلاث إلى ست سنوات للشعور بثماره على أرض الواقع».
ويبدو مجال صناعة إكسسوارات الهواتف الذكية مجالاً مثاليا ومناسبا تماما كبداية.
يقول عبد الجليل حبش وهو رجل أعمال كويتي عمره 37 عاما قام بتأسيس شركته «ريفوميك» في عام 2016 والتي تُصنع إكسسوارات الهواتف الذكيَّة: «كانت صناعة إكسسوارات الهواتف الذكية هي هدفنا، إذ إنها صناعة لها سوق متنامٍ. ففي عام 2018 كان حجم استثمارات السوق 77 مليار دولار وهو في تزايد مستمر. وللمرء حرية الاختيار سواء البدء باستثمار ضخم أو استثمار أقل يستهدف جزئية محددة في صناعة كبرى».
تقوم شركة «ريفوميك» حاليا بإنتاج وبيع 26 نوعا مختلفا من مُلحقات وإكسسوارات أجهزة الهواتف الذكيَّة متاحة في أكثر من 120 شكلاً متنوعا، كما حصلت الشركة على تسجيل براءة الاختراع لتصميم منتجها وهو عبارة عن قلم اللمس لشاشات الهواتف الذكيَّة والأجهزة اللوحية، والذي يتميز بخاصية الآلية الميكانيكية التفاعلية التي تُعطي للمستخدم إحساسا بضغطة القلم على الشاشة، ويُوصف بأنه «أول منتج تُسجل براءة اختراعه تجاريا» في الكويت.
وعلى الرغم من ذلك، فإن الرحلة طويلة ومستمرة، ولكنها لا تتناسب مع رواد الأعمال الذين يهدفون إلى تنفيذ إستراتيجية الخروج القصيرة الأجل.
ويوضح حبش قائلاً: «كان علينا القيام بمراجعة طريقة تصميم وتصنيع كثير من المنتجات القديمة. ومن ثم قمنا بزيارة بعض المصانع في الصين لفهم عملية التصنيع، والأهم من ذلك كم ستكون الكلفة اللازمة للقيام بذلك».
لم يكن الافتقار إلى توافر تقنية التصنيع على النطاق الإقليمي ونقص الخبرة هو التحدي الوحيد الذي واجهته شركة ريفوميك. ويصف حبش عملية الحصول على براءة اختراع في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأنها «عملية تستغرق وقتا أطول من اللازم» مع عدم وجود «خيار يُسهل العملية». وتوصل حبش في ظل خبراته الكبيرة إلى أن الحصول على براءة اختراع ممنوحة في الولايات المتحدة أو أوروبا ثم تقديمها إلى مكتب براءات اختراع محلي هو خيار أسرع بكثير.
ويبرهن حبش على ذلك موضحا: «الحصول على براءة الاختراع يتطلب على الأقل حوالي 24 شهرا، وهو أكثر كلفةً من الحصول عليها من الولايات المتحدة».
ومن هنا نجد أن قطاع التصنيع سيظل اختيارا صعبا بالنسبة إلى رواد الأعمال في المنطقة في الوقت الراهن، وذلك بسبب عقبات التنظيم وتكنولوجيا التصنيع، وإن كان الاستثمار في هذا القطاع سيعود بكثير من الفوائد على رواد الأعمال الذين يسعون إلى بذل مزيد من الجهد. وترى عديد من هيئات التمويل أن الشركات الناشئة العاملة في قطاع التصنيع وجهات مناسبة لتقديم الدعم لها؛ إذ حصلت شركة ريفوميك على تمويل مبدئي بقيمة 1.3 مليون دولار من الصندوق الوطني الكويتي لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
ويمكن للعملاء في الأسواق المحلية تقديم الدعم للشركات الناشئة العاملة في مجال التصنيع من خلال دعم شراء المنتجات التي تحمل علامات تجارية محلية. ويرى حبش من خلال تعاملاته مع أكثر من 15 ألف عميل أن العملاء لن يلتفتوا إلى السعر كثيرا، إذا حصلوا على منتج عال الجودة والمميزات من إنتاج شركة محلية.