الشراكات بين الأواسط الأكاديمية والأعمال
كتب - د. سامر إبراهيم المفلح
تاريخيًا ارتبط البحث العلمي بالوصول إلى الحقائق وتفسير الظواهر ودحض أو إثبات مختلف النظريات التي يقدّمها الباحثون، ولهذا جاءت نشأة الجامعات حول العالم مهتمة بالعلم والمعرفة وإعداد العلماء، أما الأعمال فهي تركز على الربحية بشكل أساس بعيدًا عن النواحي النظرية في معظم الأحيان.
ويلاحظ أن هناك جدلًا دائمًا بين المناصرين لأهمية البعد التطبيقي على البعد النظري في عالم الأعمال خصوصًا في التخصصات الإدارية، فالكثير من أصحاب الأعمال والشركات اليوم يفضّلون الخبرة العملية مع توفر الحد المطلوب من المعرفة النظرية لدى الشخص المتقدم للوظيفة، بينما يعتقد عدد كبير من الأكاديميين أن القيمة المضافة لوجود شخص أكاديمي متخصص في الشركات يضفي البعد العلمي للممارسة التطبيقية، وبالتالي سيسهم في تحقيق نتائج أفضل، كما أن العديد من المناصرين لأهمية البعد التطبيقي يدّعون وفي الكثير من الحالات بأن العديد من النظريات العلمية غير قابلة للتطبيق في عالم الأعمال.
ومن أجل ردم الفجوة بين الأكاديميين والممارسين العمليين في الدول الغربية، تقوم الجامعات بإنشاء شبكة من الشراكات مع الهيئات التجارية والصناعية وكبريات الشركات، بحيث يتم توجيه الأبحاث العلمية لطلبة الدراسات العليا إلى المواضيع التي تهتم بها تلك الجهات التجارية والصناعية، مما يؤدي إلى مساهمات علمية تعود بفائدة كبيرة على عالم الأعمال، وكذلك تسهل هذه الشراكات مهمة الباحثين في الحصول على المعلومات والبيانات من مختلف الشركات في شتى المواضيع البحثية، كما تُسهم الشراكات بين الجامعات والقطاع الخاص بإدخال الجوانب التطبيقية لمختلف التخصصات الأكاديمية وتطوير خططها الدراسية.
من الممارسات الأخرى التي تلجأ إليها الجامعات الكبرى، ومؤخرًا بعض الجامعات الأردنية، لإضفاء الصبغة العملية على الجانب النظري خصوصًا في كليات الأعمال بأن يتم تعيين أساتذة الصناعة (Industry Professors) والذين لا يحملون شهادة الدكتوراة، بل يتمتعون بخبرة عملية طويلة جدًا ومتنوعة، مما يجعلهم مؤهلين للتدريس في كلية الأعمال، حيث إنهم قادرون على شرح المفاهيم النظرية وكيفية تطبيقها في الشركات.
في الدول التي تحتل جامعاتها مراكز متقدمة عالميًا، يتم في الكثير من الأحيان إنشاء صناديق بحثية متخصصة في مواضيع تهتم بها مجموعة من الشركات، وتقوم هذه الصناديق البحثية الممولة من قبل الشركات بتمويل دراسة طلبة الدراسات العليا، بحيث يتم توجيه النتاج العلمي لاحتياجات الشركات التجارية.
وفي المملكة يمكن العمل على تطوير ومأسسة الشراكات بين القطاع الخاص والقطاع الأكاديمي، خصوصًا لكليات الأعمال، وإعادة صياغة سياسات التعليم العالي وأولوياته بمشاركة واسعة وفاعلة من كافة الأطراف، بما فيها غرف الصناعة والتجارة وكبريات الشركات من أجل تضافر كافة الجهود لتحقيق الربط الأمثل بين مخرجات الجامعات من الخريجين والبحث العلمي من جانب، واحتياجات سوق العمل والشركات من الجانب الأخر، باعتبارها قضية وطنية حاسمة لتحقيق التنمية المستدامة واستمرارها.