الصبر وريادة الأعمال
كتب - عبد الله محي أحمد عسيري
يُعد سكان إقليم التبت من أكثر شعوب الأرض صبرًا وهدوءًا وتعايشًا مع بيئتهم وظروفهم القاسية؛ حيث نُقلت لنا عنهم، قصص وحِكم، منها قصة راهب كان يتأمل بمفرده في كهف بأحد الجبال، فأراد أحد الرعاة اختبار صدق التزامه بالحكمة والتأمل والهدوء والصبر، فسأله: ما الذي تفعله بمفردك؟ فأجاب الراهب: أتأمل في الحياة لأكتسب الحكمة، فصاح الراعي وهو يستدير لينصرف: حسنًا، فلتذهب إلى الجحيم! فرد الراهب بصراخٍ مماثل: بل اذهب أنت إلى الجحيم! فضحك الراعي، واستمر يضحك، وهو ينزل من الجبل.
فما أحوج رواد الأعمال للصبر في جميع المراحل، بدايةً من الفكرة التي تتطلب صبرًا لتخرج للنور، ومرورًا بما يواجههم من مشكلات في التمويل، وعوائق في إدارة مشروعاتهم.
تقول إم جيه رايان في كتابها قوة الصبر:” إذا كنا نريد أن نحيا حياةً أكثر رحابةً وعمقًا، وليس مجرد أسرع إيقاعًا، فعلينا بالتحلي بالصبر مع أنفسنا ومع الآخرين، ومع الأحداث الصغيرة والكبيرة في الحياة، فالصبر ربما يكون أعظم حكمة على الإطلاق، تلك الحكمة التي تجعلك تغرس البذرة وتنتظر حتى تؤتي ثمارها، فأي بستاني يستطيع إخبارك بأن دورات الطبيعة تتطلب الصبر، الذي هو مفتاح كل شيء، فلن تكسر البيض لتحصل على الصيصان، بل تتركه يفقس ليخرج إلى الحياة، فبالصبر نصبح مسؤولين عن أنفسنا، وقادرين على التحكم في تصرفاتنا”.
وتضيف:” إن عالمنا الذي أصبح يتصف بالإيقاع السريع، قد يجعلنا نشعر باللهاث والاندفاع والتعجل والتوتر والحزن طوال الوقت تقريبًا، وبما أن صحتك هي انعكاس لأحداث حياتك، فاعلم أنَّ التأثيرات البيولوجية الناتجة عن التعرض للتوتر والغضب، تؤدي إلى زيادة معدل ضربات القلب، وزيادة ضغط الدم، وزيادة إفراز الحامض المعدي، فبحسب الأبحاث الطبية، يزيد احتمال إصابة شخص سريع الغضب بالسرطان، مرة ونصف عن غيره، كما يزيد احتمال تعرضه لأمراض القلب بخمس مرات عن غيره، فعندما تغضب يطلق عقلك هرموني الأدرينالين والكورتيزول؛ ما يؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة، وانقباض الأوعية الدموية، وسرعة خفقان القلب. ولكي تتقي كل ذلك، تعلم الصبر، فهو من يَحول بيننا وبين الغضب؛ وذلك بالتحكم في نفسك وضبط أعصابك، عندما تشعر بأن زمام الأمور قد بدأ يفلت من بين يديك، فالصبر هو فن العثور على شيء آخر نقوم بأدائه”.
إن أغلب العظماء في هذه الحياة، كانوا يتحلون بالصبر؛ فيقول توماس أديسون؛ صاحب الألف اختراع: “كثير من حالات الفشل في الحياة، كانت لأشخاص لم يدركوا كم كانوا قريبين من النجاح، عندما أقدموا على الاستسلام”، ويقول أندرو كارنجي” : “من يتقن الصبر، يمكنه إتقان إي شيء آخر”، كذلك استطاع نيلسون مانديلا بالصبر والإصرار أن يحدث معجزة، ليس لنفسه فقط ، ولكن لنحو 43 مليون شخص من السود والبيض الذين كانوا يسكنون جنوب أفريقيا، فقد قضى مانديلا 27 عامًا في سجون جنوب أفريقيا، ولكنه تمسك بالصبر؛ إذ يقول في مذكراته: “إن الأمل هو أن يظل الإنسان موجهًا رأسه نحو الشمس، محركًا قدميه إلى الأمام” ، كما نُسب إلى ألبرت أينشتاين قوله: “أفكر وأفكر لشهور وسنين، وبعد تسع وتسعين محاولة أصل إلى نتيجة خاطئة، لكن في المرة المائة أصل إلى النتيجة الصحيحة”.
لقد تأملت في أكثر الأمور أولوية وأهمية لنا في حياتنا المعاصرة، فلم أجد أهم ولا أكثر حاجةً لنا من الصبر، الذي به يتحقق هدوؤنا الداخلي، وبه نكسب مزيدًا من الصحة النفسية والثقة بالنفس في هذا الزمان السريع في إيقاعه وصخبه وتغيراته الكثيرة والمفاجئة، وبعدها سنكون أكثر إصرارًا على تمسكنا بالأمل في الحياة، مهما واجهنا من معوقات، فمن خلاله تنضبط تصرفاتنا واحترامنا للقوانين والأنظمة والتعايش السلمي مع من نختلف معه، وصدق الله تعالى إذ يقول: “وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ”.