بالصور.. كل ما تريد معرفته عن نفخ الزجاج.. التقنيات وخطوات الصناعة
كتب - علي منصور
تتطور التقنيات في عدد من الصناعات متجاوزة الأسلوب التقليدي، لكن بعض الصناعات لا تزال تحتاج إلى تقنيات تراثية تقليدية تكملها، إذ يتعذر صنع أدواتها إلا بالاعتماد على التقليد. من هذه الصناعات أو الحرف النفخ بالزجاج. لذا تتلاصق الحرف التقليدية مع الصناعات الضخمة المتطورة، وأحياناً تواكبها، وتقدم لها ما تعجز عن القيام به.
قامت صناعة الزجاج التقليدية، وتطورت على آلية النفخ، التي ظلت التقنية المنتجة لكل أصناف وأشكال الزجاجيات. ومع تطور صناعة الزجاج بالتقنيات الصناعية الأكثر تطوراً، بات إنتاج الأوعية الزجاجية أسهل وأسرع كالقناني والمستوعبات المختلفة والنراجيل. وصناعة الزجاج ظلت بحاجة إلى النفخ لتصنيع بعض الأوعية كالإبريق، وأشكال من المزهريات، وقبلها بلورات القناديل والمشاعل وقناني العطور الصغيرة وغيرها.
تاريخ صناعة الزُّجاج
استخدَم الناس قَبل ظهور صِناعة الزُّجاج الموادَّ الزُّجاجية الطبيعيَّة، كالزُّجاج البُركانيّ الأسود الذي يُعرَف بـ (الأوبسيديان)، حيث تمّ استعماله في صِناعة الأسلحة، والحليّ، كما استُخدِم أيضاً كعُملة للتبادُل التجاريّ، ومن المُرجَّح أنَّ صِناعة الزُّجاج ظهرت لأوَّل مرَّة قَبل الميلاد بنحو ثلاثة آلاف سنة فيما يُسمَّى بعمليَّة التزجيج على الأوعية الفخَّارية.
جدير بالذكر أنّ صِناعة أولى الأوعية الفُخَّارية تمّت بواسِطة العرب المصريّين، ثمّ بدأ الناس بعد ذلك بصِناعة الزُّجاج المُلوَّن المُستخدَم في أواني الزينة، والحليّ، إلّا أنّ صِناعة الزُّجاج آنذاك كانت مُكلِفة جدّاً، وتتمّ ببطءٍ شديد؛ لهذا كان من النادر اقتناء الزُّجاج من قِبَل عامَّة الناس.
وبحلول عام 30 قَبل الميلاد، تمكَّن العرب من اختراع أنبوب النَّفخ، والذي يُستخدَم في تحويل الزُّجاج إلى شكل شبيه بالبَصَلة؛ ليتمّ تحويله فيما بعد إلى الشكل المطلوب، عِلماً بأنَّه تمّ استخدام الزُّجاج حينها؛ لحفظ النبيذ، والزيت، والعسل، أمّا في القرن الثالث عشر الميلاديّ، فقد تمكَّن الأوروبّيون من صناعة زُجاج الشبابيك المُلوَّن، والزخارف الدقيقة، والجميلة، واستمرَّت صِناعة الزُّجاج بالتطوُّر إلى أن توسَّعت بشكلٍ كبير، حيث أصبح يُصَنَّع بكمّيات كبيرة، وبأسعار زهيدة، وذلك في مُختلَف مجالات الحياة.
خطوات صناعة نفخ الزجاج
1- يقف فني النفخ أمام كوة الفرن المخصصة له، يحضر قضيباً حديدياً يناهز الثمانين سنتيمتراً، ويستخرج من الفرن كتلة زجاج صغيرة ذائبة، ويعالجها تكويراً بإسنادها إلى جدار الفرن الخارجي، يستخدمها لكي يضبط بواسطتها تحريك القطعة التي سيصنعها.
2- يضع القضيب والقطعة العالقة به جانباً على مقربة منه، ثم يستخرج بقضيب أطول، كتلة زجاج ذائبة كبيرة، ينفخ بها عبر القضيب، فتأخذ شكلاً لا يعطي مواصفات الإبريق.
3- يضعها بقالب آخر، ينفخ فيه بقوة إلى أن تأخذ القطعة شكل الإبريق، وهي مستمرة بالالتصاق به من فتحة الإبريق العليا.
4- ينقلها إلى نقطة قريبة من فتحة الفرن، ويقص مسكة الإبريق، فيتحرر من القضيب.
5- يأتي بالكتلة الصغيرة على طرفه، ويلصقها على الإبريق، وينقله إلى الفرن، وفتحته العليا داخل اللهب، إلى أن تلين قليلاً، فيسحبه، ويوسع فتحته بتقنية خبيرة خاصة، ثم يسحب بعض الزجاج الذائب، ويلصقه بين المسكة، وأعلى الجسم المنتفخ من الإبريق، فيجعل منها المسكة الصغيرة النصف المستديرة التي يمكن بواسطتها إحكام الإمساك به.
6- يأتي دور تركيب الفتحة التي يصب الماء منها بالفم دون أن يمسه، وتسمى لدى بعض العامة بـ «الزمولة»، فيثبتها على دفعتين، في الأولى يقطع الزوائد في الزمولة، ثم يدخل القطعة في الفرن، وهي لا تزال ملتصقة بالقضيب.
7- يعطي الإبريق الشكل المطلوب، ويبرمه على حرارة أعلى، لفترة وجيزة ثم يخرجه من الفرن، ويعطي للزمولة الحجم اللازم، ويرمي جانباً الكمية الزائدة، فيأخذ الإبريق شكله النهائي.
8- ثم يضعه في فرن التبريد، وبتقنيات متشابهة، يصنع الفني أوعية بأشكال أخرى، وأصنافاً من المستوعبات التقليدية، حيث يتعذر تنفيذها في التقنية الحديثة.
تقنيات نفخ الزجاج
1- النفخ الحر:
لقد احتلت هذه الطريقة موقعاً بارزاً في صناعة تشكيل الزجاج منذ بدء العمل بها في منتصف القرن الأول قبل الميلاد وحتى أواخر القرن 19، ومازالت تُستخدم على نطاق واسع في الوقت الحاضر كأسلوب لتشكيل الزجاج، وخاصة للأغراض الفنية، وتنظوي عملية نفخ الزجاج على نفث كميات هواء قليلة من خلال جزء من الزجاج المنصهر يسمى "المستجمع" والذي تم نفثه في أحد طرفي أنبوب النفخ، مما يؤدي إلى تكوين قشرة مرنة على السطح الداخلي للزجاج السائل تتوافق مع القشرة الخارجية الناجمة عن توقف مصدر الحرارة في الفرن، ومن ثم يمكن للزجّاج تكبير الزجاج المصهور بسرعة إلى فقاعة متماسكة ويعمل عليها قبل أن تتحول إلى الشكل المطلوب.
وقد حاول الباحثون في متحف توليدو للفنون إعادة استخدام أسلوب النفخ الحر القديمة باستخدام أنابيب النفخ الطينية، وأثبتت النتيجة أن أنابيب النفخ الطينية القصيرة البالغ طولها 30-60 سم تسهل عمل الزجّاج لأنها بسيطة في استخدامها ومن السهل معالجتها ويمكن إعادة استخدامها عدة مرات، ويستطيع العمال المهرة تشكيل أي وعاء من خلال تدوير الأنبوب وأرجحتها والتحكم في درجة حرارة القطعة أثناء قيامهم بالنفخ، بحيث يمكنهم إنتاج مجموعة كبيرة ومتنوعة من القطع الزجاجية، بدءاً من أكواب الشرب إلى زجاج النوافذ.
ومن الأمثلة البارزة على أسلوب النفخ الحر زهرية بورتلاند، وهي حجر صُنع خلال الحقبة الرومانية. وقد أجرى غودنراث ووايتهاوس تجربة بهدف إعادة إنتاج زهرية بورتلاند، وتم تجميع كمية من الزجاج الأزرق المطلوب لجسم الإناء في نهاية أنبوب النفخ وتم غمسه بعد ذلك في وعاء من الزجاج الأبيض الساخن، وحدث التمدد عندما قام الزجّاج بنفخ الزجاج المصهور إلى المجال الداخلي وتمدد داخل الزهرية مع طبقة من الزجاج الأبيض التي تغطي الجسم الأزرق.
2- النفخ المقلوب:
النفخ المقولب هو طريقة بديلة لنفخ الزجاج ظهرت بعد اختراع طريقة النفخ الحر فخلال الحقبة الأولى من الربع الثاني للقرن الأول الميلادي تم وضع كتلة من الزجاج المصهور على نهاية أنبوب النفخ وبعد ذلك يتم تكبيرها في قالب خشبي أو معدني منحوت، وبهذه الطريقة يتم تحديد شكل وملمس فقاعة الزجاج من خلال التصميم الداخلي للقالب بدلاً من المهارة.
يُستخدم نوعان من القوالب كثيراً وهي القالب أحادي القطعة والقالب متعدد القطع لإنتاج الآنية في بطريقة النفخ المقولب، وتسمح الطريقة السابقة بنزع القطعة الزجاجية النهائية في حركة واحدة عن طريق سحبها إلى أعلى من القالب أحادي القطعة، وهي تستخدم بشكل واسع لإنتاج أدوات المائدة والأوعية النفعية المستخدمة للتخزين والنقل.
وفي حين تصنع الأخيرة في قطع مقولبة متعددة الألواح يتم وضعها معاً، مما يتيح عمل نماذج سطحية وملمس وتصميم أكثر تعقيداً. وقد تم نفخ الدورق الورقي الروماني، المعروض حالياَ في متحف بول غيتي، في قالب من ثلاثة أجزاء مزينة بإفريز من أوراق الشجر البارزة يضم أربعة نباتات متعامدة، وفي الوقت نفسه حاول تايلور وهيل إعادة إنتاج الآنية بطريقة النفخ المقولب باستخدام قوالب من ثلاثة أجزاء مصنوعة من مواد مختلفة، وبينت النتيجة أن القوالب المعدنية، والبرونز على وجه الخصوص، هي الأكثر فاعلية في إنتاج تصميمات ببروزات مرتفعة على الزجاج من قوالب الجص والقوالب الخشبية.
وقد مكن تطوير أسلوب النفخ المقولب الصانعين من الإنتاج السريع للقطع الزجاجية بكميات كبيرة مما شجع الإنتاج الضخم والتوزيع على نطاق واسع للمنتجات الزجاجية.
3- نفخ الزجاج الحديث:
تتحول المواد الخام إلى الزجاج عند درجة حرارة تتراوح بين 2.400 فهرنهايت (1.320 درجة مئوية)، والزجاج تنبعث منه حرارة كافية ليظهر باللون الأبيض، ثم يُترك الزجاج ليترقق بعد ذلك (ليسمح للفقاعات بالخروج من الكتلة)، ومن ثم يتم تقليل درجة حرارة في الفرن إلى حوالي 2.000 درجة فهرنهايت (1.090 درجة مئوية)، وعند هذه المرحلة يظهر الزجاج باللون البرتقالي الساطع.
وعلى الرغم من أن معظم أعمال نفخ الزجاج تتم بين 1.600 و1.900 درجة فهرنهايت (870 و1.040 درجة مئوية)، إلا أن زجاج "جير الصودا" يظل مرناً إلى حد ما وقابلاً للتشكيل عند درجة 1.350 فهرنهايت (730 درجة مئوية)، وعادة ما يتم التصلب ما بين 700 و900 درجة فهرنهايت (371 و482 درجة مئوية).
تستخدم عملية نفخ الزجاج ثلاثة أفران، أولها والذي يحتوي على بوتقة من الزجاج المصهور يشار إليه ببساطة باسم الفرن، أما الثاني فيسمى "ثقب المجد" ويستخدم لتسخين القطعة بين خطوات العمل معها، هذا في حين يسمى الفرن الأخير "المصلب" ويستخدم لتبريد الزجاج ببطء وعلى مدى فترة تتراوح من بضع ساعات إلى بضعة أيام. فذلك يتوقف على حجم القطع ويحافظ على الزجاج من التكسير أو التحطيم بسبب الإجهاد الحراري.
وتاريخياً توضع جميع الأفران الثلاثة في بناء واحد مع مجموعة من غرف البرودة تدريجياً لكل غرض من الأغراض الثلاثة، ولا يزال العديد من استوديوهات نفخ الزجاج في المكسيك وأمريكا الجنوبية يستخدم هذا الأسلوب. وتشمل الأدوات الرئيسية التي يستخدمها نافخو الزجاج أنبوب النفخ (أو المضرب) والقضيب (البونتيل أو المغزل) والدكة/المائدة ولوح التشكيل والكتل والرافعات والمجاذيف والملاقط والورق ومجموعة متنوعة من المقصات.
يتم تسخين طرف أنبوب النفخ أولاً ثم يُغمس في الزجاج المنصهر في الفرن، ويتم "تجميع" الزجاج المنصهر على طرف أنبوب النفخ بطريقة تشبه كثيراً التي يتم بها التقاط العسل اللزج على قحافة العسل، ومن ثم يتم لف هذا الزجاج على لوح التشكيل والذي كان في السابق لوحاً مسطحاً من الرخام ولكنه اليوم عبارة عن لوح من الفولاذ مسطح وسميك إلى حد ما، ويطلق على هذه العملية "الدحرجة" والتي تؤدي إلى تكوين قشرة باردة على السطح الخارجي لسائل الزجاج المصهور وتشكيله، بعد ذلك يتم نفخ الهواء في الأنابيب لتتشكل فقاعة، وبعد ذلك يمكن للزجّاج أن يجمع المزيد من الزجاج على تلك الفقاعة لإنشاء قطعة أكبر، وبمجرد أن تصل القطعة إلى حجمها النهائي التقريبي، يتم إعطاء الشكل النهائي لقاع الإناء، ثم يتم تركيب الزجاج المصهور على قضبان الفولاذ المقاوم للصدأ أو الحديد يسمى المغزل لتشكيل ونقل قطعة من أنبوب النفخ الجوفاء لعمل فتحة و/أو لوضع اللمسات الأخيرة على القمة.
الدكة أو المائدة هي محطة عمل نافخي الزجاج وبها مكان لجلوس نافخي الزجاج ومكان للأدوات المحمولة، واثنين من الدرابزونات تركب عليهما الأنابيب أو المغزل أثناء عمل المنفاخ على القطعة، والكتل هي أدوات على شكل المغرفة مصنوعة من خشب الفاكهة الغاطس بالمياه وتستخدم مثل لوح التشكيل لغرض تشكيل وتبريد القطعة في الخطوات الأولى للعمل.
وأما الرافعات فهي أدوات على شكل ملاقط كبيرة ذات ريشتين والتي تستخدم لتشكيل القطعة لاحقاً، بينما المجاذيف هي قطعة مسطحة من الخشب أو الغرافيت تستخدم لعمل نقاط مسطحة مثل قاع الإناء. وتستخدم الملاقط لتنفيذ التفاصيل أو السحب على الزجاج. وهناك نوعان هامان من المقصات وهما المقصات المستقيمة والمقصات الماسية، فالمقصات المستقيمة ضخمة في الأساس لتستخدم لعمل القطوع الخطية، بينما يكون للمقصات الماسية شفرات تستعمل لعمل شكل ماسي معين عندما يتم فتحها جزئياً وتستخدم كذلك لقطع كتل الزجاج.
هناك العديد من الطرق لعمل الأشكال والألوان للزجاج المنفوخ، ومنها تدوير الزجاج المصهور في لون مسحوقي أو قطع أكبر من الزجاج الملون يسمى "الفريت"، ويمكن عمل أشكال معقدة بقدر كبير من التفاصيل من خلال استخدام القصبة (قضبان من الزجاج الملون) والمورانو (قضبان يتم تقطيعها في شكل مقاطع عرضية لتظهر أشكالاً معينة)، ويمكن ترتيب هذه القطع الملونة في شكل معين على سطح مستو، ثم "تلتقط" بدحرجة فقاعة من الزجاج المصهور عليها.
وتسمى إحدى طرق التقصيب الأكثر دقة وتعقيداً "ريتيسيلو"، والتي تنطوي على عمل فقاعتين من القصبة، كل واحدة تُجدل في اتجاه مختلف ثم تجتمعان وتنفخا لتأخذا الشكل النهائي. ولقد كان صناع المصابيح والذين كانوا يعملون على أحجام أصغر بكثير، يستخدمون في الماضي مصابيح الكحول وهواء التنفس أو منفاخ الهواء لإشعال نار حامية على دكة العمل لمعالجة قضبان وأنابيب الزجاج المشكلة مسبقاً، وكانت المعامل التي نشطت في هذا المجال تصنع الأدوات الزجاجية للمعامل، والخرز، و"العينات" العلمية الدائمة - المنحوتات الزجاجية المصغرة.
ولا تزال هذه الحرفة التي ظهرت كشكل من اشكال الفن في أواخر عقد الستينات على يد هانز غودو فرابيل (وتبعهم في ذلك في وقت لاحق فنيو صناعة المصابيح مثل ميلون تاونسند وروبرت ميكلسون) موجودة حتى اليوم. هذا ويستخدم صانعو المصابيح في العصر الحديث لهب الأوكسجين أو غاز البروبان أو الغاز الطبيعي، وتسمح الشعلة الحديثة لعامل الفرن بمعالجة الزجاج المرن ونافخ الزجاج بمعالجة الزجاج البورسليكات (التكبير البسيط)، وقد يستعمل هذا الأخير أيضاً المشاعل ذات الرؤوس المتعددة ومخارط خاصة للمساعدة في تشكيل الزجاج أو الكوارتز المصهور لمشاريع خاصة.
لتعلم الحرف اليدوية مجانًا وبشكل أكاديمي احترافي منظم تابعوا هذه القناة Crafty Workshop