هل تقاوم ريادة الأعمال الفساد؟
كتب - د. نبيل محمد شلبي
لا أحد منا يستطيع أن يُنكر أهمية ريادة الأعمال على الصعيدين الاقتصادى والاجتماعي، وقد كتبت فى ذلك مرارا، واليوم أسلط الضوء على جانب جديد لريادة الأعمال، حيث يمكن أن تكون من الأدوات الناجعة فى محاربة الفساد.
بالأمس القريب استضفت مجموعة من الشباب فى مكتبي، ودار نقاش حول تكنولوجيا الدرونز “الطائرات الصغيرة بدون طيار” وكيف أنها يمكن أن تُستخدم فى تطبيقات مفيدة مثل: تلقيح السُحُب لنجاح عملية الاستمطار بإنشاء غيوم ينهمر منها مطر اصطناعى، كما يمكنها توفير الإمدادات الطبية للمناطق البعيدة المعزولة، وغيرها من التطبيقات، لكنها بالمقابل يمكن أن تُستخدم فى اختراق الخصوصيات، وربما التجسس والابتزاز “وهو نوع من أنواع الفساد”، لذلك ابتكر رواد أعمال تقنيات مضادة “للدرونز” يمكن أن توقفها أو تتحكم بها عند الدخول لمجال معين لحماية أمن وخصوصية المكان، وهذا مثال أن مطور التكنولوجيا المضادة قد ساهم فى مكافحة نوع من أنواع الفساد المحتمل.
مثال آخر، هل “أوبر” و “كريم” ساهمتا فى الحد من جشع واستغلال سائقى التاكسى فى رفع الأجرة على الراكب أو رفض توصيله لمكان معين؟.. لقد لاحظت تغيرا ملحوظا فى سلوك سائقى التاكسى التقليدى نحو الأفضل بسبب تأثير المنافسين الجدد الذين (أربكوا) نموذج العمل التقليدى لديهم.
ينطبق ذلك ليس فى مجال النقل فقط، بل فى مجالات أخرى كالتعليم والبنوك والتكنولوجيا والسفر والفنادق والإعلام والطب والخدمات الحكومية.
مثال ثالث، حيث إن المواقع الإلكترونية التى أسسها رواد ورائدات الأعمال لبيع المنتجات والعقارات من قبل المُلاك مباشرة، صارت تمنع استغلال الوسطاء وفساد بعض السماسرة، إضافة إلى تيسير الأمر لكل من البائع والمشترى اللذين يتواصلان مباشرة مع بعضهما البعض. معظم جهود الحكومة الإلكترونية يجب أن تتم من خلال تطبيقات يطورها رواد ورائدات الأعمال، فذلك يثمر غلق منافذ الفساد الإدارى والمالى لضعاف النفوس. ومن الضرورى تمكين المواطنين من القيام بكافة الإجراءات الإدارية الضرورية عبر استخدام شبكة الإنترنت، مثل: طلبات وإجراءات مرتبطة بالبنوك والخدمات العامة كالكهرباء والمياه والغاز ورخص المرور والقيادة والمخالفات، ونقاط الدفع والتحصيل الإلكترونى، وكافة الخدمات الحكومية الأخرى.
أتذكر مثالا رابعا يفيد المسئولين عن برامج الدعم لشرائح المجتمع الأكثر احتياجًا، وهى تجربة الهند مع نظام إلكترونى ابتكروه لتحديد الهوية بالمقاييس البيومترية، والذى يتيح رقم هوية يتألف من 12 خانة لأكثر من 1.3 مليار نسمة يعيشون فى الهند. قامت الحكومة الهندية بربط أرقام المستفيدين من هذا النظام ببرنامج الغاز المُسال، مما ساعد على منع المطالبات من مستفيدين وهميين أو المطالبات المكررة. وصارت الحكومة تُحول الدعم مباشرة إلى الحسابات المصرفية المرتبطة بالنظام، مما جعلها تتجاوز الوسطاء وتُحسن الدعم الذى تقدمه للفقراء.
أتمنى أن يهتم صانع القرار بالوطن العربى بمثل هذه الحلول التقنية، التى من شأنها حل مشاكل كثيرة وغلق الطريق أمام الجشع والاستغلال والفساد أيضًا.