أسلوب حياة الأسرة في المجتمع العربي عامل حاسم لدفع عجلة ريادة الأعمال
تُعد مسألة التمويل هي التحدي الحقيقي أمام رواد الأعمال في كل مكان. وبينما يواصل العالم تقديم حلول لإرساء نظام يساعد رواد الأعمال على تمويل أفكارهم الإبداعية من خلال -مثلا- التمويل الجماعي، والاستثمارات الصغيرة، وشركات رأس المال الاستثماري، فإن للمنطقة العربية أسلوبها الخاص للتعامل مع هذا التحدي.
تحظى العديد من القيم في المنطقة العربية بتقدير كبير، ويأتي في مقدمتها قيمة الترابط الأسري. ولذا، نجد أنه لولا توافر المال أو الدعم العام أو كليهما من جانب أفراد أسر رواد الأعمال، لما رأت العديد من الشركات الناشئة النور في المنطقة. وفي كثير من الحالات، لا يسعى هؤلاء الأفراد للحصول على عائد مالي في مقابل استثماراتهم.
لقد لفتت لينا الذكير وهي طالبة سعودية تدرس في السنة الدراسية الثانية من مرحلة التعليم الثانوي ولم يتجاوز عمرها 15 عامًا، الأنظار إليها بعدما أصبحت من أصغر مؤلفي الكتب باللغة الإنجليزية في المنطقة. وفي إشارة إلى والديها اللذين تكفلا بدفع تكاليف نشر روايتها الأولى وساعداها في التواصل مع مؤسسة فيرجن ميجاستور لتولي عملية توزيع الرواية، قالت لينا: «إنني أدين بالفضل - بعد الله سبحانه وتعالى - إلى والديّ».
ولا شك أن نشر كتابٍ قد يختلف بشكل أو بآخر عن تدشين شركة، ولكن يبقى المبدأ واحدًا. فعلى سبيل المثال، اعتمدت دينا شبيب وهي أيضا مواطنة سعودية على استثمارات من أسرتها لإرساء مشروعها الخاص الذي يحمل اسم «فرحي»، وهو عبارة عن متجر إلكتروني متخصص في مجال حفلات الزفاف. وأوضحت دينا قائلة: «حصلتُ على أغلب التمويل الخاص بتأسيس المشروع من أفراد أسرتي، الذين أصبح بعضهم الآن مستشارين لمتجر فرحي في مجالات خبراتهم، ويشاركون بفاعلية في وضع الاستراتيجيات ومناقشة التحديات».
وعلى الرغم من هذه التجارب الإيجابية، فإن بعض أصحاب الشركات لا يزالون يتوخون الحذر. وفي هذا الصدد، ترى لولوة السُديري الشريكة المؤسِّسة والمديرة التنفيذية لمشروع أرتيستيا أن الحصول على التمويل من خارج نطاق الأسرة يدفع رواد الأعمال للتحلي بالمسؤولية بصورة أكبر ويجعلهم يفكرون مليا في أوجه إنفاق الأموال. وبالنسبة إلى مشروعها «أرتيستيا» فهو عبارة عن منصة اجتماعية للتسوق الإلكتروني تربط بين المشترين من جميع أنحاء العالم، والفنانين والمصممين المحليين في المنطقة. وأضافت لولوة: «عرضت علينا الأسرة تقديم التمويل اللازم، ولكنني وشريكي المؤسسين رغبنا في الاعتماد على أنفسنا قبل اتخاذ تلك الخطوة. ومن ثم، حصلنا على التمويل اللازم للتأسيس. ولا يزال عرض الأسرة قائما لتقديم أي تمويل وقتما احتجنا إليه».
ولكن المال - من وجهة نظر دينا - ليس الوجه الوحيد للدعم الذي يمكن أن تقدمه الأسرة. وهنا توضح دينا هذه النقطة قائلة: «قمت بعمل مجموعة على الواتساب لتبادل الأفكار حول شعار شركتنا، وأفكار المنتجات الجديدة، ومسائل أخرى كثيرة، حيث أردت التعرف على تعليقات أفراد الأسرة بشأنها».
ويُعد التحفيز والتقدير والتواصل من العوامل المهمة الأخرى التي يستطيع أفراد الأسرة في المنطقة منحها. وتحمل النواحي المتعلقة بالجانب المعنوي أهمية خاصة لدعم رواد الأعمال، الذين يواجهون عادة لحظات من اليأس.
ولكن المسألة لا تسير في اتجاه واحد فقط وهو أن دعم الأسرة يساعد على إرساء الشركات الناشئة في المنطقة، حيث يرى آخرون أن هناك اتجاها آخر بمعنى أنه في بعض الأحيان يساعد العمل في هذه الشركات على تقوية الروابط الأسرية. وهنا تشير لينا إلى تجربتها قائلة: «لقد قربَنا المشروع من بعضنا بصورة أكبر».
ويبدو أن العديد من رواد الأعمال وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة يمكنهم الاعتماد على الأسرة، ولكن المهم أن يتم التعاون بطريقة احترافية.
ويقول أندي سيمون، وهو شريك في مؤسسة «سيمون أسوشييتس ماناجمنت كونسالتنتس» الاستشارية إن أحد الأسباب الرئيسية في فشل الشركات الناشئة هو سوء إدارة الأموال. ونظرا إلى فشل تسع شركات ناشئة من أصل عشرة، فإنه من المهم أن تأخذ الأمور منحى صحيحًا منذ البداية.
ولذلك ينصح أندي قائلا: «يبدأ الكثير من رواد الأعمال في صرف الأموال بتهور يمينًا وشمالاً بمجرد تدفقها عليهم، ولا سيما إذا حصلوا على أكثر مما يحتاجون إليه في البداية. ولتجنب هذه الأخطاء يجب وضع خطة تظهر بوضوح كيفية إدارة رأس المال. ومن ثم، يجب تحديد جميع المصروفات بداية من المعدات والمواد بالمخازن وصولا إلى البرمجيات والأجهزة. ويتعين كذلك معرفة عدد الأشخاص الذين ستقومون بتوظيفهم ورواتبهم، ويجب عدم نسيان وضع رواتب لأنفسكم. إن المستثمر المتعاون معكم ليس في حاجة إلى معرفة أوجه الإنفاق بالتفاصيل حتى آخر دولار، وإنما يجب أن يدرك أنكم لن تنفقوا أمواله بتهور».