تشجيع لاجئي الشرق الأوسط على ريادة الأعمال
كتبت - مي الحبشي
أصبح توفير فرص عمل يُحقق الاستقلال الاقتصادي للاجئين تحدياً كبيراً لا مفر من مواجهته، بعد أن بلغت أعداد اللاجئين في الشرق الأوسط أعلى مستوياتها.
وورد في تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن ما يربو عن خمسة ملايين لاجئ يعيشون في البلدان المجاورة، ويرتكز معظمهم في مصر والأردن ولبنان والعراق وتركيا. ولا يزالون يكافحون لبناء حياة أفضل لهم ولذويهم، وذلك بعد أن شردتهم النزاعات والحروب بعيداً عن أوطانهم وديارهم.
وقد قامت منظمات - مثل ريكودد (Re: Coded) وهي عبارة عن مركز للتدريب على البرمجة واحتضان ودعم المشروعات، في أربيل، العراق، ومنظمة غزة سكاي جيكس (Gaza Sky Geeks)، وهي عبارة عن مركز تعليم تكنولوجي، يهتم بإعداد المبرمجين والمُطورين ومقره غزة، فلسطين - بتطوير برامج لمساعدة اﻟﻼﺟﺌين كي يسهموا في النمو الاﻗﺘﺼﺎدي ﻓﻲ البلدان التي تستضيفهم، ويمثلوا إضافة اقتصادية لتلك البلدان، وذلك حرصاً من المنظمتين على توفير فرص عمل للاجئين ودعمهم في إنشاء مشروعات تجارية صغيرة.
وتركز البرامج على تعليم اللاجئين المهارات المطلوبة في سوق العمل مستقبلاً، مثل البرمجة وريادة الأعمال وكذلك مهارات العمل الحر عبر الإنترنت، وذلك لمساعدتهم للاستفادة من ميزات عالم الاقتصاد الرقمي.
قد يكون دمج اللاجئين في سوق العمل هو الحل الأمثل لنبث فيهم روح الأمل ونرفع سقف أحلامهم ونغير مسار حياتهم للمُضي نحو مستقبل أفضل، وذلك بالاستفادة من ميزات عالم الاقتصاد الرقمي، والذي يوفر فرص عمل أفضل للشباب من الجنسين، ويجنبهم الاستغلال والأجور الزهيدة وغير العادلة عندما يضطرون للعمل لدى جهات غير رسمية. ويؤهلهم هذا الدمج في الوقت ذاته كي يشغلوا وظائف في مجال هندسة البرمجيات، التي ارتفع عليها الطلب في سوق العمل الدولية بشكل عام، وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتوضح ألكسندرا كلير، الشريك المؤسس في ريكودد (Re:Coded) قائلة: «يشير 40% من أصحاب العمل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أن قلة الخبرة والمهارات في سوق العمل تُشكل عائقاً رئيسياً أمام نمو الأعمال التجارية، ويُعد توظيف أصحاب المواهب التقنية أحد أبرز التحديات التي تواجه الشركات وتمنعها من التوسع والتكيف مع التطورات التكنولوجية الحديثة».
وكذلك سوف يتمكن اللاجئون من التغلب على الحدود الجغرافية وحواجز سوق العمل، عن طريق تعلمهم لمهارات وتقنيات البرمجة وإدارة الأعمال باستخدام أجهزة الكمبيوتر المحمولة.
وتقول كلير: لا تكمن قوة وإبداع الحل الذي نقدمه فقط في تمكين اللاجئين من الاستفادة من الاقتصاد الرقمي، بل في المساهمة في تلبية احتياج سوق العمل العالمية من المهارات التقنية، والتي تُضيع على الاقتصاد العالمي فرصة تحقيق أرباح تقارب 8.5 تريليونات دولار سنوياً.
وهو الرأي ذاته الذي تتبناه داليا شراب، منسقة الإعلام على منصات التواصل الاجتماعي في مركز غزة سكاي جيكس (Gaza Sky Geeks)، حيث ترى داليا أن اللاجئين قادرون على سد حاجة السوق من المبرمجين والمُطورين، وهذه فرصتنا السانحة للقيام بهذا الدور، والإنترنت هو وسيلتنا الوحيدة للنجاح في ذلك.
إن اكتساب اللاجئين للمهارات التقنية يُمكنهم من العمل كمبرمجين سواء داخل مقر الشركات أو عن بُعد، أو حتى من تأسيس شركاتهم الخاصة في المجال التقني.
ويقدم مركز غزة سكاي جيكس برامج تعليمية تحتضن وتدعم رواد الأعمال ذوي الطموح، كي يتقنوا فنون إدارة الأعمال وكيفية تكوين فريق العمل واختيار العناصر المناسبة، وكذلك طرق جذب المستثمرين لدعم شركاتهم الناشئة. وحتى اللحظة فقد أسهمت تلك البرامج في تأسيس 40 شركة ناشئة في غزة.
وتشير داليا إلى أن «البرامج تتضمن بعض الجولات إلى أوروبا والبلدان العربية المجاورة بهدف التعرف عن قُرب على الشركات الناشئة هناك، ولفهم متطلبات السوق بشكل أفضل، وقد تضمنت جولاتنا هذا العام زيارة شركة تك كرانش (Tech Crunch) في برلين، وجي تكس (Gitex) في دبي».
وفي هذا الإطار تقدم ريكودد (Re:Coded) برنامج تأهيل وإعداد للالتحاق ببرامج الاحتضان ودعم المهارات التقنية، حيث تهتم بعض الشركات الناشئة بحل مشكلات الأعمال والبيئة والمجتمع، بينما تركز شركات أخرى على حل المشكلات المتعلقة باللاجئين على وجه الخصوص.
وكانت منصة شيفر (Shiffer) للخدمات اللوجستية عبر الإنترنت للشحن السريع، هي واحدة من الشركات الناشئة الناجحة، التي دعمت ريكودد تأسيسها على يد رجل أعمال من أصل سوري يقيم في العراق، وذلك بعد أن وجد صعوبة في الحصول على شهادة ميلاد ابنته في أربيل، مما دفعه إلى ابتكار طريقة شحن اقتصادية وفعالة. وقد فازت «شيفر» بجائزتين حتى الآن في مسابقات أُجريت للشركات الناشئة في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتضيف كلير: يواجه اللاجئون مجموعة من المشكلات المستعصية تجعل منهم أفضل القادرين على فهمها وحلها.
ورغم كل هذه المصاعب فقد تمكن مركز غزة سكاي جيكس من توفير إنترنت عالي السرعة وشراء مُولد كهربائي عن طريق تنظيم حملة تمويل جماعي، ولكن على الجانب الأخر فلا يزال الكثير من سكان غزة يعانون من ضعف الإنترنت وعدم صلاحيته للعمل، والانقطاع المتكرر للكهرباء، ما يعوق تقدمهم في العمل عبر الإنترنت.
والمشكلة الأخرى التي تواجه اللاجئين هي كيفية دفع واستلام الأموال عبر الإنترنت، حيث تتسبب أوضاع إقامتهم غير الرسمية في عدم أهليتهم لفتح حسابات بنكية. وللتغلب على هذه المشكلة، تشترك منظمات دعم واحتضان اللاجئين مع البنوك وشركات الاتصالات لتوفير بوابات دفع واستلام للأموال.
وتختتم شراب قائلة: «يصعُب علينا إيجاد فرص عمل، بسبب أوضاعنا المعيشية، وحتى من يعملون بدوام كامل لا يحصلون على القدر الكافي من المال في المقابل، لذلك فإن الإنترنت والتكنولوجيا هما فرصتنا الوحيدة».